الرياض – شريفة الأسمري
تنبأت دراسة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) نشرتها مجلة Nature Climate العلمية المرموقة حدوث موجات حرارية خطيرة في منطقة دول الخليج، حيث إنّ الحرارة البيئية الشديدة التي يُتوقع لها أن تتجاوز 60 درجة مئوية في جزء من المنطقة الشرقية ودول الخليج، والتي تعد هذه الدرجة عالية جداً، حيث لا يستطيع الإنسان البقاء على قيد الحياة لأكثر من ست ساعات، وتباعاً لذلك سوف تتأثر حركة الطائرات والسيارات في تلك المناطق، كما سيلحق التأثير المناخي العديد من مناطق المملكة كالمنطقة الغربية وعلى وجه التحديد مكة المكرمة والمشاعر المقدسة.
كارثة اجتماعية
وعلق الخبير في الصدمات الحرارية بمركز الملك عبدالله العالمي للأبحاث الطبية كيمارك بوزارة الحرس الوطني د. عبدالرزاق بوشامة، قائلاً: “الخمسة عقود القادمة بمشيئة الله ليست طويلة الأمد في حياة الإنسان، حيث إن معظم الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 30 عامًا اليوم، ما يزالون على قيد الحياة عند حدوث هذه الكارثة الاجتماعية والاقتصادية غير العادية”.
وأضاف: “على الرغم من هذه التحذيرات، فمازال الوعي الإعلامي المحلي غائب عن التحذير والتنبؤ بالكوارث البيئية المحلية، حيث يركز معهد Main Street international Medias، الذي يسلط الضوء بشكل أكبر على التغيرات المناخية وتأثيرها، ولكن التركيز الأكبر علي مخاطر ارتفاع البحر واختفاء المدن المعروفة والمكتظة بالسكان. مثل نيويورك ونيو أورليانز ومومباي وقوانغتشو وأوساكا، أما المناطق التي تتأثر بسبب الحرارة الشديدة فلم تجد الدراسات والاهتمامات الكافية والإنذارات التي تحذر من هذه الكوارث”.
إصابات جماعية
وبيّن د. بوشامة أن الحرارة أصبحت مشكلة عالمية حيث يتعرض ثلث سكان العالم إلى حرارة بيئية قاتلة لمدة 20 يومًا على الأقل سنوياً، وليس أدل على ذلك من موجة الحر التي عصفت بفرنسا في آب (أغسطس) 2003م، فتكت الحرارة البيئية الشديدة بحياة 14800 شخص في تسعة أيام، فلقد كانت موجة الحر الفرنسية مجرد بداية للإصابات الجماعية، غير المعروفة للإنسان باستثناء الأوبئة المعدية مثل الطاعون أو الإنفلونزا الإسبانية في عام 1918م، على الرغم من انخفاض ضررها في صيف عام 2003م، فقد توفي 70،000 شخص في 16 دولة من دول أوروبا الغربية، وهو أعلى عدد من القتلى في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وفي عام 2010، فقد اجتاحت آسيا نفس الكارثة، حيث مات 50000 شخص بسبب الحرارة، وعليه ليس هناك شك في أن الحرارة قد برزت كأخطر تهديد لصحة الإنسان من جراء التغيرات المناخية. فكانت السنوات الثلاث الأخيرة الأكثر حرارة على سطح الأرض حيث وصلت للكويت التي وصلت إلى 53.9 درجة مئوية في يوليو 2016م.
الحج والتغيرات المناخية
وحول الجهود الحكومة السعودية في الحج للتصدي للضربات الحرارية قال د. بوشامة: “لقد دخل الحج إلى مكة هذا العام شهر أغسطس. حيث استغرق الحج 32 سنة للعودة إلى أغسطس. كشفت البيانات الوبائية التي أجريت في الدورة الحرارية السابقة وهي في أغسطس 1985 أنه من بين 852000 حاج، كان أكثر من 2000 ضحية لضربة الشمس في أيام قليلة فقط، توفي نصفهم نتيجة ذلك، وقد بذلت المملكة العربية السعودية الكثير من الجهود للتصدي للضربات الحرارية، على سبيل المثال تركيب القطارات ومناطق التظليل وآلاف رشاشات الضباب البارد على طول طريق الحجاج والمظلات والمشروبات الباردة التي يوفرها الآلاف من المتطوعين. وتوفير العديد من سيارات الإسعاف المجهزة والوحدات الطبية المتنقلة والمستشفيات الرسمية”.
وتساءل: هل هذه التدابير كافية لتخفيف الآثار الصحية للحرارة الشديدة في عصر التغيرات المناخية؟ علماً أنّ ظاهرة أن الاحتباس الحراري قد يؤدي إلى موجات حارة خطيرة، لذا يجب توسيع نطاق تدابير الصحية والتأهب على ذلك خاصة في منطقة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، فعلية ينبغي أن تكون البحوث المتعلقة بتغيرات المناخ وتأثيرها على الصحة جزءًا من هذه الاهتمامات حيث ما يزال دعم بحوث الضربات والصدمات الحرارية متواضعا في مواجهة هذه الأزمات البيئية.
2030 والتغيرات المناخية
واستعرض د. بوشامة جهود المملكة في هذا السياق، قائلاً: “لقد وقعت المملكة اتفاقية باريس للمناخ التي تبدأ في العام 2020، وهذا مهم للغاية بالنظر إلى التنبؤ القاتم على منطقة الخليج أو التهديد الذي لا يمكن تصوره للحج، إذا استمرت التدابير على النحو السابق، لقد بدأت المملكة بالعديد من الإجراءات للحد من انبعاثات الغازات الساخنة بما في ذلك سحب الكربون وتخزينه، والطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة، وهناك أيضًا العديد من المبادرات الأخرى لحماية الموارد المحلية مثل المياه والزراعة”.
مستوى قياسي للانبعاثات
ونوّه د. بوشامة أنّ التقرير الأخير الصادر عن وكالة الطاقة الدولية يشير إلى أن مستويات الكربون العالمية في العالم ليست فقط في حالة استقرار أو انخفاض، بل على العكس، إنها في نمو متسارع، حيث وصلت إلى مستوى قياسي عام 2018، ولقد دخلت المملكة العربية السعودية في حقبة جديدة من التحول الاجتماعي والاقتصادي ضمن رؤية 2030. وأضاف: “هذا يوفر إطارًا مثاليًا لتعزيز العديد من المبادرات النشطة لمواجهة الآثار الاقتصادية والبيئية والاجتماعية للتغيرات المناخية، واتخاذ التدابير الفاعلة للحد من الصدمات الحرارية، وبالتالي فإن حماية السكان، تكون بتوسيع الرقعة الخضراء في المدن، وإدخال مقاييس رصد الحرارة في المباني الحديثة مثل الأسطح العاكسة والأرصفة الباردة والسقف الأخضر والإسكان الذكي”، مشدداً على أنّ تمويل البحوث العلمية حول تأثير التغيرات المناخية العالمية، وبشكل أكثر تحديداً الحرارة الشديدة على صحة السكان، يحتاج أن يكون على أولويات الدعم لمخاطر الضربات والصدمات الحرارية.
كيمارك يعلق الجرس
وقد تنبأ مركز الملك عبدالله العالمي للأبحاث الطبية (كيمارك) بحجم هذة المشكلة، فعلق جرس الإنذار بهذا الشأن، حيث قام قسم الضربات الحرارية والصدمات الساخنة بإجراء التجارب على الحيوانات ودعم أبحاث الإجهاد الحراري والمشروعات البحثية من خلال التجارب الأولية في هذا الشأن، كما سجل براءه اختراع لإحدى الأجهزة الخاصة بالضربات الحرارية، وذلك لوضع استراتيجية قصيرة المدى وبعيدة المدى للتصدي للمخاطر المستقبلية.